المسار الديموقراطي الناقص و استعمال المال والحياد السلبي للإدارة


المسار الديموقراطي الناقص
             و استعمال المال والحياد السلبي للإدارة




                             
                
إن انتخابات 7 شتنبر 2007 مرت في ظروف أشبه بكثير من انتخابات 2002 لا من حيث مصداقية نسبة المشاركة و لا من حيث عملية الاقتراع نفسها و ظروفها و شروطها و لا من حيث التزام الإدارة بالحياد لكن ما يؤاخذ على العملية برمتها هو:
1-    مــن حيث كثــرة الاحــزاب
ان الحكم في اغرق الديموقراطيات غالبا ما يتنافس عليه و يتناوب عليه حزبان رغم وجود أحزاب أخرى صغيرة و كمثال على ذلك:
-       حزب العمال و المحافظين في بريطانيـــا
-       الحزب الجمهوري و الديموقراطي في امريكا
-       الحزب الديكولي و الحزب الاشتراكي في فرنسا
مما يتيح نوعا من الانسجام في العمل الحكومي الذي تسانده أغلبية جد منسجمة من أعضاء البرلمــــــــــان
 و هو الأمر الذي يتيح لعملية تدبير الحكم جوا ملائما لتحقيق أهـداف الجهـة الحاكمــة و بالتالــي تحقيق النمـو
 البشري والاقتصادي:  
لكن الحال عندنا في المغرب مخالف لهذه الصورة: بحيث ان طريقة الاقتراع و تعدد الأحزاب تنتج خريطة سياسية بأحزاب من الصعب ان تنسجم على نهج تدبيري واحد، نظرا لتعدد بل و تضارب مرجعيات الأحزاب المكونة لها.
و هو الأمر الذي يستدعي تدخل المشرع من جديد عبر عملية توافقية بين جميع المتدخلين في عملية الشـأن العــام
 من اجل إيجاد حل إما عبر اتحاد الأحزاب المتقاربة اديولوجيا لفرز تكتل حزبي واحد و البقاء فقط على ثلاثـــــة
 او أربعة كتل حزبية، مما سيجعل عملية الاقتراع تفرز في الأخير كتلا منسجمة يمكن إذا فازت إحداها  بالأغلبية المطلوبة ان تعطى للعمل الحكومي معناه الحقيقي للرفع بالتنمية  البشرية و الاقتصادية نحو الرقي .
           2- إمــا مـن حيث القـانـون الانتخـابـي الحـالـي:
فهو قانون غير لائق للمجتمع المغربي و هذا واضح من خلال النتائج المحصل عليها:
-       فحزب الاستقلال رغم انه حصل على الرتبة الأولى فهو لا يمثل سوى نسبة 16%  من المغاربـة
-   اما حزب العدالة و التنمية الذي حصل على الرتبة الثانية فهو لا يمثل سوى 14مـــن المغاربة كما ان القانون الانتخابي الحالي لا يتماشى مع تكوين أغلبية الشعب المغربي الموسومة بالجهل في وضع العلامات في الخانات المخصصة لذلك او في التفريق  بين اللائحة المحليــة
    و اللائحة الوطنية.
لذلك و بناء على هذه الاعتبارات ولاعتبارات اخرى يناسب تغيير نمط و قانون الاقتراع بشكل يتناسب مع المعطى الاجتماعي المغاربة و بشكل يحقق أغلبية  منسجمة منذ الوهلة الأولى
3- و بخصـوص دور السلطـة و الادارة :
فإذا كان الجميع يتفق  ان السلطة اتخذت قرارا سياسيا واضحا أكده الخطاب: السامي لجلالة الملك أياما معدودات قبل الاقتراع
و إذا كان الواقع العملي اظهر فعلا ان السلطة كانت في اغلب الحالات محايدة إلا أن حيادها هذا كان سلبيــا:
لان أباطرة المال موجودين في انتخابات7 شتنبر 2007 و استعملوا هذا المال لشراء الدمم و لإفساد العمـــل  الانتخابي للتأثير على الإرادة الحرة للناخبين، والسلطة و الإدارة على علم بذلك لكنها لا تتدخل الا فــي بعض الحالات النادرة جدا و المنتقاة جدا ،و كغيور على هذا الوطن فإنني أرى انه يجب ان تنتقل السلطــــــة
 و الإدارة في محطة الاستحقاقات القادمة إلى منطق الحياد الايجابي و أن تجند كل وسائلها لمحاصرة بـــؤر
 و أباطرة تقسيم الأموال و المنافع من اجل استمالة الناخبين لجهة معينة دون أخرى فبمجرد اتخاذ السلطـــة
و الإدارة هذا الدور و الإعلان عنه رسميا على مستوى القانون و الخطاب، سيتراجع المفسدون عن عاداتهــم السيئة مما يعطي  لعملية الاقتراع شفافية حقيقية و مصداقية وطنية و دولية.
4- بعض النتــائــج و الحلــــول
و من جهة أخرى نتج عن اقتراع  7 شتنبر 2007 ان نسبة 63 من المغاربة المسجلين في اللوائح الانتخابية لم يصوتوا لأي احد و لم يلجؤا إلى قاعات الاقتراع أصلا  أي أنهم عزفوا عن التصويت ينضاف إلى هــؤلاء

                                              *2*

المغاربة الذين امتنعوا حتى عن التسجيل في اللوائح الانتخابية و الذين أدلو بورقة ملغاة بشكل قصدي   فهؤلاء هم أغلبية الشعب المغربي:
اذا لابد من طرح السؤال التالي: لماذا يعزف هؤلاء عن التصويت و كذا عن التسجيل في اللوائح الانتخابية:  ربما لأنهم سئموا من الوعود الفارغة و التي قدمها لهم المنتخبون السابقون
ربما لأنهم كانوا شهود عيان على اهتمام المرشحين الناجحين بتنمية أموالهم الخاصة و خلق فرص العمل لعائلاتهم :حتى أصبحوا منتمين لقائمة أغنياء المغرب دون ان يفكروا في التزاماتهم السابقة نحو القاعدة الشعبية التي منحتهم أصواتها بل نسوها مباشرة منذ ظهور النتيجة
ربما أيضا لأنهم يعايشون نفاق اغلب الأحزاب حتى التي كانت تدعي التقدمية و كانوا أيضا شهودا على افول المبادئ و سيطرة الزبونية و المحسوبية و القبلية على الفعل الحزبي و تبنى معظم الأحزاب فكرة اصطياد أباطرة المال لتقديمهم كمرشحين بغض النظر هل يتماشى ذلك مع مبادئ الحزب ام لا لان أخر ما أصبح يفكر فيه معظم أحزاب المغرب هو المبادئ
أو ربما ان الكتلة العازفة من الشعب المغربي اختلطت عليها برامج الأحزاب السياسية نظرا لتقاربها و لتبنيها التزامات مرقمة من حيث مناصب الشغل –السكن –الصحة – الضريبة....الخ و أصبحت هذه الكتلة تقارن بين الطعم المقدم لها خلال انتخابات 7 شتنبر 2007و ما اطلعت عليه من برامج نفس الأحزاب في تجربة 2002
اذا لابد من تخليق الحياة السياسية و الحزبية في المغرب.
و من هنا يجب على السلطة و الإدارة و القضاء و المشرع اتخاذ كل التدابير القانونية و التنظيمية و غيرها لضمان الحياد الايجابي لإنجاح المسلسل الديموقراطي الذي أصبح خيارا استراتيجيا
و من جهة أخرى يجب على الأحزاب التي يهمها مأسسة الشأن في المغرب ان تعمل على ذلك من خلال تجنيد أطرها و جميع إمكانياتها لهذه العملية
كما على هذه الأحزاب نعول على إقناع نسبة 63العازفة حاليا عن المشاركة من اجل فتح حوار دائم معها لمعرفة مآخدها وطموحاتها، و العمل على التواصل معها تواصلا جديا و حقيقيا في أفق استمالتها و إقناعها لتكوين لحمة واحدة مع الأحزاب الجادة من اجل بلورة مشروع تقدمي ديموقراطي حداثي.




                                                         الكـــاتب
                                           الاستاذ لبياض محمد عبد الفتاح
                                              محامـــي بكلميـــم


0 التعليقات:

إرسال تعليق