الـوكـالـة فـي الطـلاق و التطليـق و أثنـاء الصلح بين الجائـز و الممنوع

                                                  *1*
   بحث من إعداد الأستاذ لبياض محمد عبد الفتاح                                     كلميم:23/6/2007
        محـــامـــي بكلميــــم
  وكان هذا البحث موضوع محاضرة بمقر المحكمة الابتدائية بكلميم

                                     الـوكـالـة فـي الطـلاق و التطليـق
                                     و أثنـاء الصلح بين الجائـز و الممنوع

مقـدمـة: التعـــريف
عرفها الدكتور عبد الرزاق السنهوري بأنها:" الوكالة عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بان يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل"
و تقريبا هذا هو التعريف الذي أورده الفصل 879 ق ل ع المغربي الذي عرفها بأنها:
     " الوكالة عقد بمقتضاه يكلف شخص شخصا آخر بإجراء عمل مشروع لحسابه"
و عقد الوكالة شبيه بعقد النيابة: لان النيابة هي حلول إرادة شخص يطلق عليه النائب في إبــرام تصرف قانوني محل إرادة شخص آخر يطلق عليه الأصيل و لحسابه ضمن حدود النيابة المرسومة له مع جعل آثار هذا التصرف تنصرف مباشرة إلى شخص هذا الأصيل
و في المجتمع اليوناني القديم: كان يمنع أن يتعاقد الإنسان نيابة عن آخر: لكن ضرورة الحضـــور
 في أسواق التجارة و عدم إتاحة ذلك للشخص الواحد في جميع الأسواق نظرا لتباعدها و تنوعهــا ظهرت فكرة النيابة فـي التعاقـد و الإنسان يوكل غيره إما لعدم خبرته في بعض الميادين او لتشعب القضايا و كثرتها.
و موضوع الوكالة تناولته عدة قوانين منها:
- ق ل ع فـي الفصـول 33 و 879 إلى 942
- قـــانــــون المسطــرة المـدنيــة 
- قــانـون المحـــامــاة
                          
أولا: مبــــررات المنـــــــع
    1- فـي الفقـه: منع فقهاء المالكية الوكالة في بعض الأمور التي لا تتحقق فيها مصلحة الشخص دون حضوره الشخصي و من أمثلة ذلك:
    - مسالة: الايمـــان
    - مسالة: الشهادتيــن
    - مسالة : الصـــلاة
    - مسالة:الاعتقاد في الله
كما أن الذين يتبنون موقف المنع خصوصا فيما يتعلق بالصلح في الطلاق: ينطلقون من كون الصلح مسألة شخصية لا ينبغي لأحد من الغير أن يقوم بها نظرا لما قد يقتضيه حضور الطرفين أمام القاضي الذي يستشيرهما عن أشياء خاصة
    لكن هذا الاتجاه مخالف للقواعد الفقهية و القانونية بالإضافة إلى أن المحكمة قد تتجاوز مرحلة الصلح
    عند عـدم حضور الحكمين و تعلن عن فشل محاولة الصلح اعتمادا على ذلك
و بالتالي فان إجراء الصلح بين الزوجين و لو عن طريق الوكالة خير من عدم إجرائه بالمــرة لان القاعدة الشرعية تقول " ما لا يدرك كله لا يترك بعضه "
2- فـــي القـــانــون:
     - لا وكالة إذا كان محلها مستحيلا و مبهما إبهاما فاشيا أو عملا مخالفا للنظام العام ف 881 ق ل .ع
       من جهة أخرى فلا وكالة في مسالة أداء اليمين الفصل 882 ق ل ع " بمعنى أن الوكيل لا يــؤدي
         اليمين مكان موكله "
                                             *        2      *
3- الاجتهـاد فـي القـانـون المقــارن
       جاء في قرار تعقيبي تونسي مدني عدد 10688 مؤرخ في 25 ابريل 1985 منشور في كتاب        
       الأستاذ عبد العزيز توفيق التعليق على ق ل ع الجزء الثاني ص 243
     " لا يصح التوكيل فيما لا يقبل النيابة كأداء اليمين "

2مبــــررات الإبـــاحـــــة
  الجـــانب الفقهـــي و المنطقـــي
ان الوكالة شرعت لرفع المشقة و جلب التيسير:  
و من تم فانه بناء على أن الطلاق و التطليق حق للزوج كما هو حق للزوجة " و هذا هو مضمون المادة 78 مــدونـــة "                                
و حيث ان القاعدة الفقهية تقول " من ملك حقا ملك التوكيل فيه "
و بما أن الوكالة هي تكليف شخص من الغير ليقوم مقام الموكل في تصرف جائز و معلوم
ثم من جهة أخرى فان الوكالة شرعت في إطار مبدأ التكافل الاجتماعي و التعاضد الإنساني
و حسب الفقهاء المالكيين فهناك أعمال تجوز فيها الوكالة و هي التي تتحقق فيها مصلحة الموكل دون
 ضرورة لحضوره و منها الوكالة
أما الأعمال التي لا يجوز فيها التوكيل و منها:
-      الإيمــــــان
-      الصــــــلاة
-       الشهادتيــــن
يقول ابن عاصم في باب الوكالة: البالغ الرشيد له ان يوكل غيره ليقوم مقامه في كل ما يقبل النيابة
و أضاف ابن عاصم
ان المطلوب يجوز له أن يوكل من يخاصم الطالب كما ان الطالب يجوز له ان يوكل من يخاصم المطلوب
و يرى ابن عاصم ان وكالة الخصام يستحسن ان تتعلق أيضا بالإقرار و الإنكار و في نظمه يقول:
                     " و حيثما التوكيل بالإطلاق   ** فذلك التفويض باتفاق
و في باب الصلح: قال ابن عاصم:
               " الصلــح جــائــز بــالاتفـــاق"
و معنى ذلك ان الصلح بين المتنازعين جائز باتفاق أهل المذهب المالكي
و أكدت لامية الزقاق ص 334:  
                 و هل مطلق التوكيل كاف فامضين ** به نظرا كالذي بتفويض انجلا
و معنى انه كلما فعله الوكيل بسبب التفويض انجلى و هو مقبول سوى 3 امــــور
              - طـــلاق الـزوجــة
              - بيـع دار السكــــن
               - و تزويج بكر لا تجوز الا بتوكيل خاص
 و قال الشيخ خليل ص 216 ورد في باب صحة الوكالة قال أنها جائزة في المطلق إذا فوض الموكل فأمضى النظر للوكيل ما عدا 3 أمور هي: 
   1- الطلاق، وإنكاح بكر، و بيع دار سكناه: فلا تجوز إلا إذا خصصت
3- الجـــانــب القـــانـــونـــي
      

نص الفصل 879 ق ل ع على أن: " الوكالة عقد بمقتضاه يكلف شخصا شخصا آخر بإجراء عمل مشروع لحسابه"

                                 *    3       *
و نص الفصل 890 ق ل ع على  يجوز ان تكون الوكالة خاصة او عامة و نص الفصل 891 ق ل ع
على ان" الوكالة الخاصة هي التي تعطى من اجل إجراء قضية او عدة قضايا و التي لا تمنح الوكيــل
 إلا صلاحيات خاصة و تحدد صلاحيات الوكيل و القضايا موضوع الوكالة في نص الـوكــالـة "
و نص الفصل 892 ق ل ع أن و كالة التقاضي و كالة خاصة
- الوكالة العامة الفصل 893 ق ل ع : لا تقيد صلاحيات الوكيل بل تمنحه الحرية  لإدارة  مصالح الموكل
و نص الفصل 894 ق ل ع : لا يجوز إجراء الصلح نيابـة عـن أي شخص إلا بتوكيـــل خاص
تم ان الصلح تصرفا من التصرفات القانونية لذلك يجوز أن يكون محلا لقعد الوكالة لأنه لا مانع في القانون يمنع ذلك
- و نص الفصل 180 مسطرة مدنية: على انه إذا أحيلت القضية على المحكمة استدعي حالا الأطراف إلى الجلسة،و يجب على الأطراف ان يحضروا في الجلسة الأولى شخصيا او بواسطة ممثلهم القانوني
 و  تجرى دائما محاولة الصلح .....)
و هكذا فان هذا الفصل أعطى الحق للمحامي ليمثل الطرف في جلسة الصلح مما يؤكد الإباحة خصوصا ان الوكالة عقد يضع على كاهل طرفيه التزامات و حقوق متبادلة طبقا للفصل 879 ق ل ع
و حيث ان إرادة الوكيل تحل محل إرادة الأصيل امتثالا لأوامره و تحقيقا لإرادته
فانه بناء على الفصل 230 ق ل ع :
فان الالتزامات التعاقدية المنشاة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيهــــا
و لا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا او في الحالات المنصوص عليها في القانون "
وبالتالي فلا حق لأي أي احد فسخ تلك الوكالة بإرادة منفردة كما انه لا حق للشخص مباشرة الأعمال موضوع الوكالة الخاصة بعدما كلف بها الوكيل خصوصا إذا كانت تلك الأعمال حكرا على المحامي
و هذا ما أكد عليه الفصل 925 ق ل ع الذي جاء فيه:
التصرفات التي يجريها الوكيل على وجه صحيح باسم الموكل و في حدود و كالته تنتج أثارها في حق الموكل فيما له و ما عليه كما لو كان هو الذي أجراها بنفسه "
و بمعنى آخر: إن تصرفات الوكيل هي التي يتعين اعتبارها لأنها تصرفات صادرة عن الموكل نفسه ما دام عقد الوكالة قائم
و جاء في كتاب " وكالة الخصام و المحاماة " لمؤلفيه الأستاذين " ابراهيم  زعيم و محمد فركت "
المحامي لا يمثل زبونه فحسب بل يؤازره و يدافع عنه لما له من إلمام بأصول التقاضي و قواعده
 و من تم فهو بجانب القاضي يقيم العدل
- و جاء في قرار المجلس الأعلى عدد 685 الصادر بغرفتين يوم 8 ماي 2002 " لا تنتهي وكالة
 و كيل المدعى عليها بمجرد وفاتها بل تستمر إلى حين علمه بتلك الوفاة و يفترض في المحامي عدم العلم و من يدعي خلافه عليه ان يثبت ذاك"
-كما ان الفصل 892 قانون الالتزامات و العقود: نص على حق الوكيل في إجراء الصلح نيابة عن الموكل إذا نصت الوكالة على ذلك
و جاء في قوله تعالى " إني توكلت على الله ربي و ربكم "و معناه اني فوضت امري لله
و بالرجوع إلى المادة 29 من قانون المحاماة يتضح أنها أعطت للمحامي تمثيل الأطراف أمام المحاكم و جميع المؤسسات العمومية و الهيئات المهنية كما أعطته حق تمثيل الأطراف في إبرام العقـــود بتوكيل خاص
كما ان الفصل 42 من قانون المسطرة المدنية أكد على حضور الأطراف شخصيا او بواسطة وكيـل
و حيث اذا كان المشرع في مدونة الأسرة لم يشر صراحة إلى الوكالة في الطلاق لكنه نظمها فـي الزواج طبقا للمادة  17 و قيد ذلك بشروط أهمها:
·      وجود ظروف خاصة تمنع الموكل من الحضور الشخصي


                                      *    4      *
·      ان يكون الوكيل راشدا و ذي أهلية
·      ان يعين الموكل في الوكالة اسم الزوج الآخر ومواصفاته و يضمنها قدر الصداق و أهم الشروط
·      ان يؤشر قاضي الأسرة على هذه الوكالة بعد التأكد من وجود تلك الشروط
لكن مدونة الأسرة سكتت عن الوكالة في الطلاق و لم تنظمها بنص صريح رغم ان مدونة الأحوال الشخصية كانت تنظم الوكالة في الطلاق طبقا للفصل 44
ومن الممكن ان يفسر ذلك برغبة المشرع في الحضور الشخصي للزوجين و تعليقا على ذلك جاء في مجلة قضاء الأسرة العدد الأول يوليوز 2005 الصفحة 59 و هي مجلة صادرة عـن وزارة العدل و تعبر عن رأيها:
 " ....بيد ان الضرورات العملية و الواقع المعاش قد أبان عن وجود بعض الحالات التي يتعـذر فيها على الزوجين أو أحدهما الحضور الشخصي لمسطرة الطلاق مما يلحق الضرر بهمــــا أو أحدهما و يحيد بالتالي عن هدف المشرع و إيلائه للعناية والرعاية و الحماية للأسـرة علما بان أغلبية المذاهب الفقهية الأربعة و في طليعتها المذهب المالكي تجيز الوكالة في الطلاق
و مدونة الأسرة تحيل عليه في المادة 400
و على هذا الأساس: فالأصل أن تباشر مسطرة الطلاق بصفة شخصية من الزوجين المعنييــن
 و الاستثناء يمكن قبول الوكالة الخاصة" انتهى رأي وزارة العدل المشار اتليه أعلاه
و بالرجوع إلى المادة 400 من مدونة الأسرة نجدها تنص على
كل ما لم يرد به نص في هذه المدونة يرجع فيه الى المذهب المالكي و الاجتهاد الذي يراعي فيه تحقيق الإسلام في العدل و السماوات و المعاشرة بالمعروف "
و اذا كانت مدونة الأسرة قد أخذت في معالجة بعض القضايا برأي المذهب الحنفي او غيره فان ذلك محدود جدا مثل مسالة الوالي.                                 
إلا ان معظم الأحكام و جلها مأخوذ من المذهب المالكي لذلك أكدت المادة 400 مسطرة مدنية على ان كلما ما لم يرد به نص " مثل حالة الوكالة في الطلاق " يرجع فيه الى المذهب المالكـــي
 و الاجتهـــــاد
لذلك و أمام كل ما تقدم و بناء على قاعدة " الدين يسر و ليس عسرا :
فإنني أرى بجواز الوكالة سواء في الطلاق او أثناء الصلح  

المراجع:
1-       مؤلف الدكتور السنهوري الوسيط في شرح القانون المدني
2-       بعض نصوص قانون الالتزامات و العقود
3-       بعض نصوص قانون المسطرة المدنية
4-       بعض نصوص قانون المحاماة
5-        كتاب و كالة الخصام و المحاماة لمؤلفيه الأستاذين ابراهيم زعيم و محمد فركت
6-       كتاب إحكام الأحكام على تحفة الحكام
7-       كتاب شرح لامية الزقاق لمؤلفه الأستاذ القـــدوري
8-       نص كتاب الشيخ خليل
9-       كتاب الشافي في قانون شرح الالتزامات و العقود للدكتور الشهبون
10- مــــدونــة الأســــرة
11-   مجلة المحاكم المغربية العدد 53 يناير –فبراير 1988

0 التعليقات:

إرسال تعليق