السلطـة التقـديـريـة للقـاضــي


عــرض مــن إعــــداد
 الأستاذ لبياض محمد عبد الفتاح
    المحامي بهيئة اكـاديـر
       الممارس بكلميـم
          ******                                                 *1*

                                  عـــــرض بعنـــــــوان
                                السلطـة التقـديـريـة للقـاضــي

أولا : مقـدمـة:
I ) تعريف: يمكن تعريف السلطة التقديرية بأنها الحرية المتروكة للقاضي بمقتضى القانون صراحة أو ضمنا من اجل اختيار الحل الأنسب و الأقرب إلى الصواب من بين حلول أخرى
و يكون مجال لها في النص القانوني كلما استعمل مثل " يمكن " ،، " يحق "،، يتعين ،، للقاضي ان .... "
و السلطة التقديرية تكليف و مسؤولية من خلالها يلتزم القاضي  بتحقيق إرادة المشرع من خلال تطبيق النص القانوني على الوقائع المعروضة عليه ،لان القاضي مطالب في نهاية الأمر بتطبيق و احترام القانون
و تعني فيما تعنيه " ان القاضي يضمن في الحكم فهمه و تأويله للنص القانوني و اقتناعه إن إرادة المشرع هي  بالفعل ما توصل إليه هو"
و القاضي هنا ليست له الحرية المطلقة لاتخاذ أي قرار حسب هواه
 لان السلطة التقديرية لا يمكن  ان تخرج عن الحدود القانونية المتعلقة بالشكل و المضمون
و هكذا نص الفصل 141 ق ج على ان للقاضي سلطة تقديرية في تحديد العقوبة و تقديرها في نطاق الحدين الأدنى و الأقصى  لكن شرط ان يراعي أمرين هما:- خطورة الجريمة المرتكبة
                                             - شخصية المجرم من ناحية أخرى
و من تم يحق للقاضي ضمن الشروط المنصوص عليها في الفصل 141 ان يجعل العقوبة موقوفة التنفيـــذ او نافذة ضمن الحد الأدنى او ضمن الحد الأقصى
 او يحكم بغرامة مالية فقط
كما نص الفصل 142 ق ج على انه يتعين على القاضي ان يطبق على المتهم عقوبة
                                                               مشــــددة                                                                                                                                                                       
                                                                                           ــــــ حسب الاحوال
                                                                          - او مخففــــة
كلما ثبت لديه واحد او أكثر من الأعذار القانونية المخففة او المشددة
و هناك الظروف المخففة و هي التي  نص عليها الفصل 147 ق ج و كذا الفصل 146 بحيث اذا ظهر للمحكمة من خلال نقاش القضية ان العقوبة المقررة في القانون للجريمة التي نوقشت أمامها  قاسية بالنظر                             
         1- لخطورة الأفعال المرتكبة
         2- او بالنظر لدرجة إجرام المتهم
فلها سلطة تقديرية في تخفيض العقوبة
1-  من الإعدام : الى السجن المؤبد
                          او الى  السجن من 30 سنة الى 20 سنة
2-  اذا كان المقرر هو السجن المؤبد
                        تطبيق عقوبة : من 10 الى 30 سنة
الى آخر ما هو منصوص عليه في الفصل 147 ق ج
و هناك ظروف التشديد و هي المنصوص عليها في الفصلين 152 و 153 ق ج مثل حالة العود
كما  ان هناك الأعذار المخففة للعقوبة و هي  التي  نص عليها القانون بالنسبة لكل جريمة على حدي مثل:
- جريمة القتل و الضرب و الجرح نتيجة استفزاز " ف 416 "
- او نتيجة دفع تسلق او كسر سور " ف 417 ق ج "
او نتيجة مفاجأة الزوج لزوجته و شريكها متلبسين بالخيانة الزوجية " ف 418 "


                                            *2*
كما يمكن للقضاة أن يتجاوزوا الحدين الأقصى و الأدنى للعقوبة نظرا  لملابسات معينة لان المشرع مهما أوتي من معرفة و مهما صحت تنبؤاته بالوقائع و المشاكل  التي يمكن أن تثار فلا يمكنه أبدا تصور كل شيء في دقته و تفاصيله و الإحاطة به بطريقة شاملة لدى كان لزاما على  المشرع ان يفوض للقاضي نوعا من الحرية في اختيار  الجزاء الأكثر ملائمة لطبيعة الجاني خصوصا و أن القاضي هو الذي يناقش الملف بجميع ملابساته
و بذلك يستطيع معرفة شخصية الجاني و ظروفه خصوصا بعد ظهور مبدأ تفريد العقوبة  الذي يعني جعل العقوبة من حيث نوعها و مقدارها و كيفية تنفيذها ملائمة لظروف من تفرض عليه
و حيث ان أساس مبدأ تفريد العقوبة ينطلق من فكرة إصلاح المحكوم عليه
و هكذا فان القانون ينص بشكل واضح على تخصيص عقوبات معينة لأشخاص معينين اما حسب خطورتهم او حسن سلوكهم او بلوغهم او كونهم أحداث الى غير  ذلك فحدد مثلا  عقوبة الإقصاء  بالنسبة للجناة الميؤوس من تقويمهم و في الفصول 154 الى 160 افرد عقوبات خاصة بالأحداث  و في الفصول من 326 الى 333 خصص عقوبات خاصة بالمتسولين و بالمتشردين، كما ان القانون في الفصلين  152 و 158 ق ج اعتبر وجود ظروف تجسم الفعل الجرمي فنص على التشديد نظرا لخطورة الجريمة و دلالتها على خطورة الجاني  
المبحث الأول: السلطة التقديرية و قضاة النيابة العامة
- المشرع المغربي أخد بنظام الاتهام العام بشكل أساسي واستثناء هناك نظام الاتهــــام القضائـــــي
و معنى ذلك ان المشرع المغربي اوكل سلطة الاتهام للنيابة العامة بصفة أساسية لكن و ما دام لكل قاعدة استثناء
فان قاضي الحكم من حقه توجيه الاتهام الى أي  شخص ثبت مثلا انه ارتكب جريمة او مخالفة أثناء انعقاد  الجلسة
كما ان الأفراد  في  حد ذاتهم لهم حق توجيه الاتهام الى أي مشتبه فيه بواسطة الشكاية المباشرة
فقضاة النيابة العامة تحت مراقبة رؤسائهم لهم حق تحريك الدعوى العمومية La mise en mouvement
و السؤال المطروح هو : هل للنيابة العامة سلطة تقديرية في تحريك و ممارسة الدعوى العمومية ام لا ؟
هناك أسلوبان او نظامان لمعالجة هذه النقطة
اولا: الاسلــوب القـانـونــي: او مبدأ شرعية المتابعة principe de la lègalité de pour suite
فهذا النظام يوجب على النيابة العامة القيام بالمتابعة الجنائية بمجرد توصلها بخبر وقوع الجريمة و دون اشتراط وجود ادلة إثبات او قرائن تعزز  صدقية الخبر بل تترك النيابة العامة  ذلك لرأي المحكمة
و من مزايا هذا النظام انه:
1- يحول دون بقاء أي مجرم او متهم دون محاكمة
2- هذا النظام يتفادى اهمال النيابة  العامــــة
3- هذا النظام يكرس مبدأ المساواة أمام القضـاء
و من مساوئه
- انه يحد من السلطة التقديرية للنيابة العامة الى حد كبير
ثانيا : الأسلوب التقديري او أسلوب ملائمة المتابعة prnicipe d’opportinité de la  pour suite
هذا  الأسلوب يعطي للنيابة العامة الحرية او الخيار في إقامة الدعوى العمومية او عدم إقامتها
فهي التي تقرر حين تتوصل بخبر الجريمة و على ضوء تمحيصها لذلك الخبر و ما تجمع لديها من ادلة حول الموضوع فاذا كان هذا الأسلوب  يتفادى  عيوب الأسلوب القانوني ( إجبارية المتابعة )
فيعاب  عليه ان النيابة العامة قد تحجم عن المتابعة رغم ثبوت الجرم لديها و رغم ما قد يمثله هذا الجرم من خطورة  اما باستنادها الى تبريرات خاطئة او محاباة للجاني الذي قد يكون له نفوذ او مكانة اجتماعية  او سياسية معينة و اما تهاونا في اداء مهمتها و اما  لعدم كفاية الأدلة  او لكون الأفعال بسيطة و متابعتها ليست الا مضيعة  للوقت و المال العمومي مما يعطيها صفة قاضي الحكم بتوليتها تقدير قيمة الدليل و تكوين القناعة
موقف  المشرع المغربي من النظامين
لقد تبنى المشرع المغربي مبدأ الملائمة أي  الأسلوب  التقديري  للمتابعة كقاعدة عامة
و يقضي أسلوب  الملائمة  ان يقوم و كيل الملك او الوكيل العام او من ينوب عنهما بناء  على ما يتوفر لديهم من وثائق ( محاضر ،شكايات ، و شايات )
امـــا: 1- باتخاذ قرار المتابعة أي بتحريك الدعوى العمومية  بإحدى الوسائل المنصوص عليها في المادتين 384 و 385 م ج و هي:
أ‌-     الاستدعاء المباشر
ب‌-التماس اجراء التحقيق
            ج- احالة المتهم في حالة اعتقال   " أي التلبس"
و امـــا: 2-  اتخاذ قرار  بحفظ القضية
                                       *3*

و هكذا يتضح ان للنيابة العامة سلطة تقديرية واسعة في دراسة النوازل المعروضة عليها وفي اتخاذ  ما تراه مناسبا بشان  ما هو معروض و هذا ما نصت عليه المادة 40 من ق  م ج ".....لقضاة النيابة العامة اتخاذ ما يرونه مناسبا بشان ما هو  معروض على أنظارهم من قضايا "
كما ان للسيد و كيل الملك و السيد الوكيل العام سلطة تقديرية في تسخير القوة العمومية طبقا للمادة 39 م ج
و بخصوص مسطرة تسليم المجرمين تنص المادة 40 م ج على حق السيد و كيل الملك حسب سلطته  التقديرية و بناء على   القانون في :
- إصدار اوامر دولية بالبحث او إلقاء القبض  على المجرمين
- و للسيد و كيل الملك سلطة تقديرية في إحالة النازلة اما على قاضي التحقيق او على قضاة الحكم مباشرة حسب المادة 40 م ج
- و له سلطة تقديرية حسب المادة  40 في إرجاع الحالة  الى ما كانت عليه
- و يجوز له رد الأشياء المحجوزة الى أصحابها في حالة عدم المنازعة
- و له حق سحب جواز السفر في حالة الجنح التأديبية طبقا للمادة 40 م ج
- كما ان له الحق  في قبول الصلح المبرم بين المشتكى و المشتكى به طبقا للمادة 41 م ج
- و للسيد و كيل الملك تعيين أي نائب من نوابه لينوب عنه في غيابه حسب سلطته التقديرية طبقا للمادة 46
- و نصت المادة 47 على السلطة التقديرية المخولة للسيد و كيل الملك في إحالة المتهم
  1- اما في حالة سراح
  2-او في حالة اعتقال
أمام هيأة الحكم  
و طبقا للمادة 108 ق م ج بتوفر السيد الوكيل العام على سلطة تقديرية في حالة الضرورة ان يصدروا امرا  الى الجهات المختصة بالتقاط المكالمات و الاتصالات عن بعد و تسجيلها و اخد نسخ منها و عليه  ان يخبر الرئيس الأول بذلك فيما بعد
المبحث II) قاضي التحقيق و السلطة التقديرية                    
                               قـــاضـــي التحقيــق
لقاضي التحقيق سلطة تقديرية في تسخير القوة العمومية أثناء مزاولته لمهامه عند الضرورة
و له الحق حسب سلطته التقديرية في إصدار أوامر بإلقاء  القبض  على متهم فار
و ذلك في جميع تراب المملكة و حتى خارجها
لقاضي التحقيق سلطة تقديرية في تحديد معنى حالة الاستعجال القصوى المنصوص عليها في المادة 102 م ج بخصوص تفتيش المنازل خارج الوقت القانوني
له سلطة تقديرية بخصوص توجيه الاتهام من عدمه لأي شخص حسب ما يتبين له من خلال الوثائق و الملابسات
و القرائن المعروضة عليه طبقا للمادة 84 م ج
لقاضي التحقيق سلطة تقديرية في اجراء بحث او عدم اجرائه في مادة الجنح و ذلك حول شخصية المتهم  و حالته العائلية و الاجتماعية طبقا لما نصت عليه المادة 87 م ج
لقاضي التحقيق سلطة تقديرية بخصوص اجراء فحص طبي او نفسي على المتهم طبقا للمادة 88 م ج
لقاضي التحقيق سلطة تقديرية في رفض  او قبول بعض ملتمسات النيابة العامة طبقا لما نصت عليه المادة 89 م ج
يمكن لقاضي التحقيق ان ينتقل الى أي مكان لاجراء المعاينات المفيدة  و للقيام بالتفتيش و يشعر النيابة العامة بذلك المادة 99
يمكن لقاضي التحقيق حسب سلطته التقديرية لظروف البحث التقاط المكالمات الهاتفية و كافة  الاتصالات المنجزة بواسطة وسائل الاتصال عن بعد و تسجيلها و اخد نسخ منها او حجزها حسب الفقرة 2 من المادة 108
الاعتقال الاحتياطي و السلطة التقديرية لقاضي التحقيق
-       هناك من الفقهاء من وصف الاعتقال الاحتياطي بانه تدبير جائز لكنه ظالم لانه يمس مباشرة حرية الفرد لكنه أحيانا يكون ضروريا
-       اما لمنع المشتبه فيه من الفرار من وجه العدالة



                                     *4*
-       او لمنعه من التأثير  على الشهود
-       او للعبث بادلة الاثبات                                
-       او حتى لإيقائه من اعتداء الضحية وأولياؤه و أصدقاؤه
لذلك منح المشرع لقاضي التحقيق سلطة تقديرية في اللجوء الى الاعتقال الاحتياطي
اما النيابة العامة باعتبارها تمثل السلطة العمومية و تمارس الادعاء العام فان المشرع لم يخول لها حق الاعتقال الاحتياطي  لانه لا يؤمر به الا من طرف قاض لكنها تقوم بإجراءات مشابهة للاعتقال الاحتياطي مثل
-       الأمر بالإيداع في السجن
-       المبحث III  قضاء الحكم و السلطة التقديرية
-       أولا: في القضاء الزجري
-       ثانيا : في القضاء المدني
قضــاء الحكـم والسلطـة التقــديـريـــــة
أ‌-     القضــاء الـزجــري:
يتقاسم طرق الإثبات نظامان
       1- نظـــام الأدلـــة القــانـونيــة:
وفي هذا النظام يكون دور القاضي سلبي و يقتصر على تلقي الأدلة كما يقدمها أطراف الخصومة القضائية دون أي تدخل ثم يقدر تلك الأدلة دون غيرها طبقا للقيم التي حددها القانون
فاذا لاحظ ان الدليل ناقص فليس له ان يطلب إكماله او توضيحه بل يجب عليه ان يقدره كما هو وعلى الحالة التي قدمها الأطراف وحياد القاضي هنا لا يعني عدم تحيزه بل معناه ان يقف القاضي موقفا سلبيا من كلا الخصمين على حد سواء
وبمعنى آخر فالحياد يعني انه  يمنع على القاضي ان يجمع الأدلة بنفسه وليس له الحق في ان يعول على أدلة وصلت الى علمه الشخصي بعيدا عن الخصوم فلاحق له ان يستمد الدليل بنفسه ولو من حكم نهائي أدلى به الخصوم ما دام هذا الخصم الذي أدلى به وله الصفة والمصلحة لم يتمسك به
2- نظـام الاثبــات الحــر أو المطلـق
يقوم هذا النظام على إعطاء القاضي حرية مطلقة في تكوين قناعته من خلال ما يروج أمامه في الجلسة بحيث يبقى باب الإثبات مفتوحا و هذا النظام يقوم على مبدأين
اولا: ان أطراف الخصومة الجنائية يكونون أحرارا في تقديم أي دليل  اثبا ت من شانه إقناع القاضي الجنائي
ثانيا:ان القاضي يملك كامل الحرية في تقدير و تقييم أدلة الإثبات و لا يأخذ الا بالأدلة التي يقتنع بها و تحرك وجدانه و ما يؤخذ على هذا النظام هو انه يعطي سلطة واسعة للقاضي في عملية التقدير الشيء الذي قد يضر بالأفراد و بمركزهم القانوني
3- نظــام الإثبـات المختلط
هذا النظام هو وسط بين نظام الأدلة القانونية ونظام الاثبات المطلق و بالتالي  فهو يوفق بين قناعة القاضي
و قناعة المشرع بمعنى انه يترك للقاضي الحرية  في تقدير الأدلة التي يرسمها له المشرع  سواء من حيث شروطها او كيفية طرحها
و المغرب يأخذ بنظام الإثبات الوجداني ،اذ ان المشرع المغربي  يترك للقاضي الجنائي حرية واسعة في تقدير الأدلة و تمحيصها و التحقق من صحتها و جدواها ،و هذا ما نصت عليه المادة 286 من ق م ج 
و رغم ذلك فان حرية القاضي في التشريع المغربي ليست مطلقة تمام الإطلاق لان المسطرة الجنائية تنص  في  المادة 288 انه اذا كان ثبوت الجريمة يتوقف على دليل تسري عليه احكام القانون المدني او احكام خاصة فان المحكمة تراعي تلك الأحكام مما يقيد من  سلطة القاضي
كما ان  المشرع المغربي  حدد وسائل  خاصة لاثبات جريمتي الفساد و الخيانة الزوجية و يجب على القاضي إعمالها  مما يحد  من سلطته التقديرية 
-       القيــود الــواردة علـى حـريـة الإثبــات
وهكذا فجريمة الفساد مستثناة  من فكرة القناعة الوجدانية اذ ان المشرع تكفل بتحديد وسائل إثباتها ولم يترك للقاضي بشأنها أي مجال لتكوين قناعته
وهذا ما استقر عليه اجتهاد المجلس الأعلى وجاء في اغلب قراراته: " انه لا يكفي في إثبات الجريمة المعاقب عليها في الفصل 491 ق ج  ان تقول المحكمة بانها اقتنعت بثبوت الجريمة بل لابد ان تبني حكمها على احد دلائل الإثبات المنصوص عليها في الفصل 493 من نفس القانون"

                                           *5*

وجاء في قرار اخر للمجلس الأعلى " ان الخيانة الزوجية لا تثبت الا بناء على محضر رسمي يحرر في حالة التلبس او اعتراف تضمنته مكاتب او أوراق صادرة عن المتهم او اعتراف قضائي"
كما ان المادة 286 م ج  صريحة في ان القاضي لا يمكن ان يبني حكمه الا على حجج عرضت عليه أثناء المناقشة شفويا وحضوريا .
لذلك فقناعة القاضي لا يمكن ان يكونها بحرية مطلقة بل يجب عليه ان يكون قناعته مما راج أمامه حضوريا وشفاهيا أثناء المرافعة ومن ثم فلا حق للقاضي ان يكون قناعته مما سمعه عن النازلة من طرف الغير
- كما لاحق للقاضي في ان يكون قناعته من خلال المراسلات الجارية بين المتهم ودفاعه
وذلك بصريح النص القانوني:295 م ج
      *موقف المجلس الأعلى: من حرية الإثبات المخولة للقاضي الزجري:
ظهر اتجاهان للمجلس الأعلى بهذا الخصوص
أولهما: يؤيد  حرية القاضي في ان يعتمد ما يشاء من الأدلة لبناء حكمه ويضع جانبا الأدلة التي يعتبرها غير مجدية ووفقا لهذا الاتجاه فان المجلس الأعلى غير مرخص له مناقشة فحوى الأدلة التي اعتمدها القاضي في تكوين قناعته لان ذلك يدخل في نطاق السلطة التقديرية للقاضي
وهكذا يتضح ان المجلس الأعلى يعمل على إيلاء القناعة الوجدانية المنبثقة عن حرية الإثبات أهمية خاصة
1-  فأدوات الإثبات
2-  وقيمتهـــا
3-  والتفصيل بينها من حيث قوتها التبوثية
تخضع للسلطة التقديرية للقاضي
II) ثانيها: تدخل المجلس الأعلى ورقابته على تقدير الأدلة
لقد صدرت عدة قرارات عن المجلس الأعلى نقضت أحكام الموضوع: القاضية بالبراءة لوجود أدلة إثبات أخرى لم تعتمدها محكمة الموضوع مما يجعلها قرارات تضرب السلطة التقديرية المخولة للقضاة الزجريين
ويرى بعض الفقهاء ان اتجاه المجلس الأعلى الرامي إلى فرض رقابة على ذكر الأدلة اتجاه صائب لأنه يميز بين:
              1-تقدير القيمة الاتباثية للأدلة وهو أمر يختص به قاضي الموضوع ولا يراقبه المجلس الأعلى
         2- وبين توضيح الدليل الإثباتي الذي  اعتمده القاضي في الحكم مع بيان مضمون هذا الدليل الاثباتي                               
وهو أمر خاضع لمراقبة المجلس الأعلى
المرجع ك 397   (29): أهم اجتهادات المجلس الأعلى في موضوع السلطة التقديرية للقاضي.
- يأخذ المشرع المغربي بنظام الإثبات الوجداني
حيث يترك للقاضي الجنائي حرية واسعة في تقدير أدلة الإثبات وتمحيصها والتحقق من صحتها وجدواها. والأخذ بما يكون لديه القناعة الحقة البعيدة عما من شانه زعزعة ثقته في تلك الأدلة.
لكن ولو كان من حق قضاة الموضوع ان يكونوا قناعتهم من جميع الأدلة المعروضة عليهم فيجب ان تؤدي تلك الأدلة منطقا وعقلا الى النتيجة التي انتهوا إليها
وإذا كان من جهة أخرى لقاضي الموضوع سلطة تقديرية فيما يعرض عليه من وثائق وتصريحات فليس له " تجنبا للتحريف" ان يغير معناها لان ذلك ينزل منزلة انعدام التعليل
بعض قـرارات المجلس الأعلـى حـول السلطـة التقـديـريـة :
اهانة موظف : ".... حيث ان بقية ما أثير انما يتعلق بمناقشة اقتناع المحكمة واستخلاصها عناصر الإدانة من وثائق الملف وهو جدل موضوعي لا يمكن إعادة البحث فيه أمام هذا المجلس " قرار عدد 613/4 الصادر بتاريخ 29/3/1995
والقاعدة المستخلصة من هذا القراران المحكمة تستنتج مكونات الجريمة من الأمور الواقعية التي يستقل قضاة الموضوع بتقديرها"
خيـانـــة الأمـانـة إثبـاتهـا
" ان  تكوين اقتناع المحكمة من اعتراف  المتهم يغنيها عن الاستماع لشهادة الشهود"
قرار المجلس الأعلى عدد 1116/08 الصادر في 1 يوليوز 1995                                       
ظـــروف التخفيــف :
" منح ظروف التخفيف في اطار الفصل 146 من القانون الجنائي هو امر يرجع للسلطة التقديرية لقضاة الموضوع و لا يخضع لرقابة المجلس الأعلى"
قرار المجلس الأعلى عدد 1355/2 الصادر بتاريخ 28 يوليوز 1996
                                               *6*

قناعـــة المحكمـــة
" ان المحكمة غير ملزمة باستدعاء الشهود المطلوبين في المذكرة الدفاعية ما دامت كونت قناعتها من تصريحات الشهود الذين استمعت اليهم "
م 47 مجلة الاشعاع " هيئة المحامين بالقنيطرة "العدد 26 سنة 2002 ص 75
 و هكــــــذا:
فالعدالة هي الوجه الحقيقي للحضارة الانسانية لأنها تركز  قواعد العدل والإنصاف و تثبت دعائم الأمن و الاطمئنان
و كما قال احد الحكماء " اذا  اخفقت العدالة  الجنائية في ضمان الأمن و النظام فان الحرب الأهلية على  الابواب " فكلما ضعفت العدالة انتشر البغي و الاستبداد.
و ان المحاكم الزجرية هي التي تطبق السياسة الجنائية المتمثلة  في النصوص الجنائية الشكلية و الموضوعية و السلطة التقديرية  للسادة  القضاة هي محور سير العدالة الجنائية  لان المشرع اعطى للقضاة الزجريين سلطة تقديرية واسعة في تقدير و سائل الاثبات و تقدير الأفعال المحرمة و تقدير الخطورة الاجرامية  للجاني و تقدير العقوبة المستحقـــة
و بخصوص و سائل الإثبات فمنها ما هو قاطع بخصوص  إثبات الجريمة و منها ما هو غير قاطع
م 5 المرجع  : مجلة  القصر 9 شتنبر  2004 " م 5 " ص 138
ان مشروعية الدليل تكتسب أهمية  بالغة في بناء أسس المحاكمة العادلة :فمشروعية الدليل و عدم مشروعيته تشكل فيصلا بين المحاكمة العادلة  و المحاكمة غير العادلة.
يجب ان تكون طريقة الوصول الى الدليل مشروعة و مطابقة للقانون و ليس  فيها مساس بحريات و حقوق الأفراد.
ك 418 المرجع : شرح قانون المسطرة الجنائية  ج II وزارة العدل ك ...ص 40
المرجع ك 66/32 و سائل الإثبات في التشريع المدني المغربي ذ/ العبدلاوي
1- مبدأ  حياد القاضي : لقد اخذ المشرع  المغربي  في تنظيم  الإثبات في المواد المدنية  بالمذهب  المختلط الذي يجمع بين تقييد الإثبات و اطلاقه
و المبدأ في القضاء المدني هو تقييد الإثبات ، لكن  رغم ذلك  خفف المشرع  المغربي من هذا التقييد و ترك للقاضي  في بعض الحالات الحرية في تقدير الأدلة  و هناك مذهبان يتقاسمان مسألة  الإثبات
   2- المذهب الحر او المطلق : ففي هذه الحالة يكون للقاضي  دور ايجابي  في توجيه الخصوم و استكمال ما نقص من الادلة و استيضاح ما هو  مهم منها
  3- مذهب الاثبات المختلط:
هذا المذهب  يجمع مبادئ المذهبين السابقين  فلا يأخذ بالحرية المطلقة و لا يأخذ بالتقيد الكامل : و انما تجعل لكل منهما مجالا في قواعد الإثبات
فمن جهة تفرض  هذه القواعد على القاضي ان يقف موقف  الحياد و لكن من جهة  أخرى تجعل للقاضي في بعض الأحوال ان يسمع الى جمع الأدلة ليصل الى ما يريد معرفته  من وقائع فيستجوب الخصوم او يستعين بأهل الخبرة او يستدل بشهادة الشهود من تلقاء نفسه
كما ان للقاضي الحق في تقدير قيمة الأدلة و له الحق  في ان يستنتج ثبوت واقعة  غري ثابتة من واقعة اخرى ثابتة  " ( القرائن  القضائية )
و بذلك يكون  هذا المذهب قد تجنب ما يخشى من تحكم القاضي في مذهب الإثبات الحر كما يتحاشى جمود القواعد في مذهب الإثبات القانوني  او المقيد و هذا هو المذهب  الذي تبناه المشرع المغربي سواء  في الميدان  المدني او الميدان الجنائي و ما يؤخذ عليه
هو ان اقتراب الحقيقة الواقعية من الحقيقة القضائية لا يصل إلى  درجة القطع  بل لا تزال للأدلة فيه حجة ظنية و لا
تزال الحقيقة القضائية هي مجرد احتمال راجح و ليست حقيقة قاطعة
يستخلص  مما سبق ان الحقيقة القضائية هي ما يثبته القاضي في حكمه نتيجة لتحريه حقيقة الواقع و يكون حظها في مطابقة الواقع بقدر ما يكون للقضائي من سلطة في البحث  و التحري                           
لكن القاضي مجرد بشر ووسائله محدودة ان علم شيئا غابت عنه أشياء فمن المحتمل ان يخطئ التقدير : فيقضي بما يخالف الواقع
اما مذهب الإثبات المقيد فيزداد فيه بعد الحقيقة القضائية  عن الحقيقة الواقعية
فإذا  كان محل النزاع مثلا  عقدا معينا مما يتطلب القانون ان يكون إثباته بالكتابة
و عجز المدعي عن تقديم الدليل الكتابي حكم القاضي بعدم ثبوت هذا التعاقد حتى و لو كان هو يعلم بحصوله او كان يستطيع ان يعلم ذلك


                                         *7*
أما المذهب المختلط فيرخص للخضم العاجز  في مثل هذه الحالة  عن  تقديم الدليل القانوني  في ان يوجه الى خصمه اليمين الحاسمة آملا في استخلاص دليله من نكول خصمه او في استجواب خصمه لعله يستدرجه بذلك الى الاقرار
على انه مهما بلغت و سائل تقريب الحقيقة القضائية من الحقيقة الواقعية فان القضاء على احتمال تباينهما امرا مستحيلا
لذلك فالحقيقة القضائية هي حقيقة نسبية  لا مطلقة  أي انها حقيقة بالنسبة  لطرفي المنازعة دون غيرهما ( نسبة الاحكام )
       المرجع  420 العقوبة ( محي الدين امزازي)
       ص 199:العقوبة  ضرورية لإجبار الناس على طاعة القانون
       فالقانون ان كان يعتبر تنظيما سليما للعلاقات المجتمعية فهو أيضا يعيد هذه العلاقات الى إطارها كلمــا اختلت
       و لو بالقوة
       و في  الختام لا بد ان نتساءل عن ماهية تجريم الافعال ??
 و كيف يتحدد تجريم فعل من الأفعال و على أي  أساس ؟
لا تقدم مدونة القانون الجنائي جوابا شافيا على هذا السؤال
فالجريمة في مفهوم القانون الجنائي هي "  فعل او امتناع  يعاقب عليه القانون " تعددت الأجوبة الفقهية على السؤال اعلاه  و لكنها اتفقت  على فكرتين
                           1- الضــرورة    2- العـــــدل
أولا: الضرورة : يقوم النموذج الليبرالي للسياسة الجنائية على مبدأ " الإباحة هي الأصل " بمعنى ان كل الأفعال
و التصرفات مباحة الا ما منعه القانون
فمجال التجريم اذا يتولد إذن عن طريق الاستثناء بالنسبة لمجال التصرفات الحرة و يعتمد ذلك على معيار الضرورة فالقتل جريمة  قررت لحماية الحق  في الحياة و السرقة لحماية حق الملكية
و يرتبط مضمون الضرورة بالزمان: لان ضرورة الأمس ليست هي ضرورة اليوم حيث كانت
فهناك أفعال تنتفي مع أسلافنا على تحريمها في الماضي لكن مع اختلاف الظروف فلا ضرورة لتحريمها حاليا
لكن رغم ذلك لا يمكن اعتبار فكرة الضرورة و حدها معيارا للتجريم بل لا بد من وجود مقياس مقبول و هكذا تم اعتماد " المساس بحريات و حقوق الغير " كمعيار للتجريم                           
II – العــــــدل:
فكرة  " العدل " فرضت نفسها كمعيار للتجريم بعدما ظهرت السلبيات معيار  " الضرورة  "
و من تم فعلى المشرع الا يحرم سوى الأفعال التي تقوى معاقبتها الإحساس  الجماعي بالعدل و علينا ان نرفض كل تجريم يتعارض  مع الحاجة الاجتماعية للعدل كما يشعر بها أغلبية  المواطنين المعاصرين.عــرض مــن إعــــداد
 الأستاذ لبياض محمد عبد الفتاح
    المحامي بهيئة اكـاديـر
       الممارس بكلميـم
          ******                                                 *1*

                                  عـــــرض بعنـــــــوان
                                السلطـة التقـديـريـة للقـاضــي

أولا : مقـدمـة:
I ) تعريف: يمكن تعريف السلطة التقديرية بأنها الحرية المتروكة للقاضي بمقتضى القانون صراحة أو ضمنا من اجل اختيار الحل الأنسب و الأقرب إلى الصواب من بين حلول أخرى
و يكون مجال لها في النص القانوني كلما استعمل مثل " يمكن " ،، " يحق "،، يتعين ،، للقاضي ان .... "
و السلطة التقديرية تكليف و مسؤولية من خلالها يلتزم القاضي  بتحقيق إرادة المشرع من خلال تطبيق النص القانوني على الوقائع المعروضة عليه ،لان القاضي مطالب في نهاية الأمر بتطبيق و احترام القانون
و تعني فيما تعنيه " ان القاضي يضمن في الحكم فهمه و تأويله للنص القانوني و اقتناعه إن إرادة المشرع هي  بالفعل ما توصل إليه هو"
و القاضي هنا ليست له الحرية المطلقة لاتخاذ أي قرار حسب هواه
 لان السلطة التقديرية لا يمكن  ان تخرج عن الحدود القانونية المتعلقة بالشكل و المضمون
و هكذا نص الفصل 141 ق ج على ان للقاضي سلطة تقديرية في تحديد العقوبة و تقديرها في نطاق الحدين الأدنى و الأقصى  لكن شرط ان يراعي أمرين هما:- خطورة الجريمة المرتكبة
                                             - شخصية المجرم من ناحية أخرى
و من تم يحق للقاضي ضمن الشروط المنصوص عليها في الفصل 141 ان يجعل العقوبة موقوفة التنفيـــذ او نافذة ضمن الحد الأدنى او ضمن الحد الأقصى
 او يحكم بغرامة مالية فقط
كما نص الفصل 142 ق ج على انه يتعين على القاضي ان يطبق على المتهم عقوبة
                                                               مشــــددة                                                                                                                                                                       
                                                                                           ــــــ حسب الاحوال
                                                                          - او مخففــــة
كلما ثبت لديه واحد او أكثر من الأعذار القانونية المخففة او المشددة
و هناك الظروف المخففة و هي التي  نص عليها الفصل 147 ق ج و كذا الفصل 146 بحيث اذا ظهر للمحكمة من خلال نقاش القضية ان العقوبة المقررة في القانون للجريمة التي نوقشت أمامها  قاسية بالنظر                             
         1- لخطورة الأفعال المرتكبة
         2- او بالنظر لدرجة إجرام المتهم
فلها سلطة تقديرية في تخفيض العقوبة
1-  من الإعدام : الى السجن المؤبد
                          او الى  السجن من 30 سنة الى 20 سنة
2-  اذا كان المقرر هو السجن المؤبد
                        تطبيق عقوبة : من 10 الى 30 سنة
الى آخر ما هو منصوص عليه في الفصل 147 ق ج
و هناك ظروف التشديد و هي المنصوص عليها في الفصلين 152 و 153 ق ج مثل حالة العود
كما  ان هناك الأعذار المخففة للعقوبة و هي  التي  نص عليها القانون بالنسبة لكل جريمة على حدي مثل:
- جريمة القتل و الضرب و الجرح نتيجة استفزاز " ف 416 "
- او نتيجة دفع تسلق او كسر سور " ف 417 ق ج "
او نتيجة مفاجأة الزوج لزوجته و شريكها متلبسين بالخيانة الزوجية " ف 418 "


                                            *2*
كما يمكن للقضاة أن يتجاوزوا الحدين الأقصى و الأدنى للعقوبة نظرا  لملابسات معينة لان المشرع مهما أوتي من معرفة و مهما صحت تنبؤاته بالوقائع و المشاكل  التي يمكن أن تثار فلا يمكنه أبدا تصور كل شيء في دقته و تفاصيله و الإحاطة به بطريقة شاملة لدى كان لزاما على  المشرع ان يفوض للقاضي نوعا من الحرية في اختيار  الجزاء الأكثر ملائمة لطبيعة الجاني خصوصا و أن القاضي هو الذي يناقش الملف بجميع ملابساته
و بذلك يستطيع معرفة شخصية الجاني و ظروفه خصوصا بعد ظهور مبدأ تفريد العقوبة  الذي يعني جعل العقوبة من حيث نوعها و مقدارها و كيفية تنفيذها ملائمة لظروف من تفرض عليه
و حيث ان أساس مبدأ تفريد العقوبة ينطلق من فكرة إصلاح المحكوم عليه
و هكذا فان القانون ينص بشكل واضح على تخصيص عقوبات معينة لأشخاص معينين اما حسب خطورتهم او حسن سلوكهم او بلوغهم او كونهم أحداث الى غير  ذلك فحدد مثلا  عقوبة الإقصاء  بالنسبة للجناة الميؤوس من تقويمهم و في الفصول 154 الى 160 افرد عقوبات خاصة بالأحداث  و في الفصول من 326 الى 333 خصص عقوبات خاصة بالمتسولين و بالمتشردين، كما ان القانون في الفصلين  152 و 158 ق ج اعتبر وجود ظروف تجسم الفعل الجرمي فنص على التشديد نظرا لخطورة الجريمة و دلالتها على خطورة الجاني  
المبحث الأول: السلطة التقديرية و قضاة النيابة العامة
- المشرع المغربي أخد بنظام الاتهام العام بشكل أساسي واستثناء هناك نظام الاتهــــام القضائـــــي
و معنى ذلك ان المشرع المغربي اوكل سلطة الاتهام للنيابة العامة بصفة أساسية لكن و ما دام لكل قاعدة استثناء
فان قاضي الحكم من حقه توجيه الاتهام الى أي  شخص ثبت مثلا انه ارتكب جريمة او مخالفة أثناء انعقاد  الجلسة
كما ان الأفراد  في  حد ذاتهم لهم حق توجيه الاتهام الى أي مشتبه فيه بواسطة الشكاية المباشرة
فقضاة النيابة العامة تحت مراقبة رؤسائهم لهم حق تحريك الدعوى العمومية La mise en mouvement
و السؤال المطروح هو : هل للنيابة العامة سلطة تقديرية في تحريك و ممارسة الدعوى العمومية ام لا ؟
هناك أسلوبان او نظامان لمعالجة هذه النقطة
اولا: الاسلــوب القـانـونــي: او مبدأ شرعية المتابعة principe de la lègalité de pour suite
فهذا النظام يوجب على النيابة العامة القيام بالمتابعة الجنائية بمجرد توصلها بخبر وقوع الجريمة و دون اشتراط وجود ادلة إثبات او قرائن تعزز  صدقية الخبر بل تترك النيابة العامة  ذلك لرأي المحكمة
و من مزايا هذا النظام انه:
1- يحول دون بقاء أي مجرم او متهم دون محاكمة
2- هذا النظام يتفادى اهمال النيابة  العامــــة
3- هذا النظام يكرس مبدأ المساواة أمام القضـاء
و من مساوئه
- انه يحد من السلطة التقديرية للنيابة العامة الى حد كبير
ثانيا : الأسلوب التقديري او أسلوب ملائمة المتابعة prnicipe d’opportinité de la  pour suite
هذا  الأسلوب يعطي للنيابة العامة الحرية او الخيار في إقامة الدعوى العمومية او عدم إقامتها
فهي التي تقرر حين تتوصل بخبر الجريمة و على ضوء تمحيصها لذلك الخبر و ما تجمع لديها من ادلة حول الموضوع فاذا كان هذا الأسلوب  يتفادى  عيوب الأسلوب القانوني ( إجبارية المتابعة )
فيعاب  عليه ان النيابة العامة قد تحجم عن المتابعة رغم ثبوت الجرم لديها و رغم ما قد يمثله هذا الجرم من خطورة  اما باستنادها الى تبريرات خاطئة او محاباة للجاني الذي قد يكون له نفوذ او مكانة اجتماعية  او سياسية معينة و اما تهاونا في اداء مهمتها و اما  لعدم كفاية الأدلة  او لكون الأفعال بسيطة و متابعتها ليست الا مضيعة  للوقت و المال العمومي مما يعطيها صفة قاضي الحكم بتوليتها تقدير قيمة الدليل و تكوين القناعة
موقف  المشرع المغربي من النظامين
لقد تبنى المشرع المغربي مبدأ الملائمة أي  الأسلوب  التقديري  للمتابعة كقاعدة عامة
و يقضي أسلوب  الملائمة  ان يقوم و كيل الملك او الوكيل العام او من ينوب عنهما بناء  على ما يتوفر لديهم من وثائق ( محاضر ،شكايات ، و شايات )
امـــا: 1- باتخاذ قرار المتابعة أي بتحريك الدعوى العمومية  بإحدى الوسائل المنصوص عليها في المادتين 384 و 385 م ج و هي:
أ‌-     الاستدعاء المباشر
ب‌-التماس اجراء التحقيق
            ج- احالة المتهم في حالة اعتقال   " أي التلبس"
و امـــا: 2-  اتخاذ قرار  بحفظ القضية
                                       *3*

و هكذا يتضح ان للنيابة العامة سلطة تقديرية واسعة في دراسة النوازل المعروضة عليها وفي اتخاذ  ما تراه مناسبا بشان  ما هو معروض و هذا ما نصت عليه المادة 40 من ق  م ج ".....لقضاة النيابة العامة اتخاذ ما يرونه مناسبا بشان ما هو  معروض على أنظارهم من قضايا "
كما ان للسيد و كيل الملك و السيد الوكيل العام سلطة تقديرية في تسخير القوة العمومية طبقا للمادة 39 م ج
و بخصوص مسطرة تسليم المجرمين تنص المادة 40 م ج على حق السيد و كيل الملك حسب سلطته  التقديرية و بناء على   القانون في :
- إصدار اوامر دولية بالبحث او إلقاء القبض  على المجرمين
- و للسيد و كيل الملك سلطة تقديرية في إحالة النازلة اما على قاضي التحقيق او على قضاة الحكم مباشرة حسب المادة 40 م ج
- و له سلطة تقديرية حسب المادة  40 في إرجاع الحالة  الى ما كانت عليه
- و يجوز له رد الأشياء المحجوزة الى أصحابها في حالة عدم المنازعة
- و له حق سحب جواز السفر في حالة الجنح التأديبية طبقا للمادة 40 م ج
- كما ان له الحق  في قبول الصلح المبرم بين المشتكى و المشتكى به طبقا للمادة 41 م ج
- و للسيد و كيل الملك تعيين أي نائب من نوابه لينوب عنه في غيابه حسب سلطته التقديرية طبقا للمادة 46
- و نصت المادة 47 على السلطة التقديرية المخولة للسيد و كيل الملك في إحالة المتهم
  1- اما في حالة سراح
  2-او في حالة اعتقال
أمام هيأة الحكم  
و طبقا للمادة 108 ق م ج بتوفر السيد الوكيل العام على سلطة تقديرية في حالة الضرورة ان يصدروا امرا  الى الجهات المختصة بالتقاط المكالمات و الاتصالات عن بعد و تسجيلها و اخد نسخ منها و عليه  ان يخبر الرئيس الأول بذلك فيما بعد
المبحث II) قاضي التحقيق و السلطة التقديرية                    
                               قـــاضـــي التحقيــق
لقاضي التحقيق سلطة تقديرية في تسخير القوة العمومية أثناء مزاولته لمهامه عند الضرورة
و له الحق حسب سلطته التقديرية في إصدار أوامر بإلقاء  القبض  على متهم فار
و ذلك في جميع تراب المملكة و حتى خارجها
لقاضي التحقيق سلطة تقديرية في تحديد معنى حالة الاستعجال القصوى المنصوص عليها في المادة 102 م ج بخصوص تفتيش المنازل خارج الوقت القانوني
له سلطة تقديرية بخصوص توجيه الاتهام من عدمه لأي شخص حسب ما يتبين له من خلال الوثائق و الملابسات
و القرائن المعروضة عليه طبقا للمادة 84 م ج
لقاضي التحقيق سلطة تقديرية في اجراء بحث او عدم اجرائه في مادة الجنح و ذلك حول شخصية المتهم  و حالته العائلية و الاجتماعية طبقا لما نصت عليه المادة 87 م ج
لقاضي التحقيق سلطة تقديرية بخصوص اجراء فحص طبي او نفسي على المتهم طبقا للمادة 88 م ج
لقاضي التحقيق سلطة تقديرية في رفض  او قبول بعض ملتمسات النيابة العامة طبقا لما نصت عليه المادة 89 م ج
يمكن لقاضي التحقيق ان ينتقل الى أي مكان لاجراء المعاينات المفيدة  و للقيام بالتفتيش و يشعر النيابة العامة بذلك المادة 99
يمكن لقاضي التحقيق حسب سلطته التقديرية لظروف البحث التقاط المكالمات الهاتفية و كافة  الاتصالات المنجزة بواسطة وسائل الاتصال عن بعد و تسجيلها و اخد نسخ منها او حجزها حسب الفقرة 2 من المادة 108
الاعتقال الاحتياطي و السلطة التقديرية لقاضي التحقيق
-       هناك من الفقهاء من وصف الاعتقال الاحتياطي بانه تدبير جائز لكنه ظالم لانه يمس مباشرة حرية الفرد لكنه أحيانا يكون ضروريا
-       اما لمنع المشتبه فيه من الفرار من وجه العدالة



                                     *4*
-       او لمنعه من التأثير  على الشهود
-       او للعبث بادلة الاثبات                                
-       او حتى لإيقائه من اعتداء الضحية وأولياؤه و أصدقاؤه
لذلك منح المشرع لقاضي التحقيق سلطة تقديرية في اللجوء الى الاعتقال الاحتياطي
اما النيابة العامة باعتبارها تمثل السلطة العمومية و تمارس الادعاء العام فان المشرع لم يخول لها حق الاعتقال الاحتياطي  لانه لا يؤمر به الا من طرف قاض لكنها تقوم بإجراءات مشابهة للاعتقال الاحتياطي مثل
-       الأمر بالإيداع في السجن
-       المبحث III  قضاء الحكم و السلطة التقديرية
-       أولا: في القضاء الزجري
-       ثانيا : في القضاء المدني
قضــاء الحكـم والسلطـة التقــديـريـــــة
أ‌-     القضــاء الـزجــري:
يتقاسم طرق الإثبات نظامان
       1- نظـــام الأدلـــة القــانـونيــة:
وفي هذا النظام يكون دور القاضي سلبي و يقتصر على تلقي الأدلة كما يقدمها أطراف الخصومة القضائية دون أي تدخل ثم يقدر تلك الأدلة دون غيرها طبقا للقيم التي حددها القانون
فاذا لاحظ ان الدليل ناقص فليس له ان يطلب إكماله او توضيحه بل يجب عليه ان يقدره كما هو وعلى الحالة التي قدمها الأطراف وحياد القاضي هنا لا يعني عدم تحيزه بل معناه ان يقف القاضي موقفا سلبيا من كلا الخصمين على حد سواء
وبمعنى آخر فالحياد يعني انه  يمنع على القاضي ان يجمع الأدلة بنفسه وليس له الحق في ان يعول على أدلة وصلت الى علمه الشخصي بعيدا عن الخصوم فلاحق له ان يستمد الدليل بنفسه ولو من حكم نهائي أدلى به الخصوم ما دام هذا الخصم الذي أدلى به وله الصفة والمصلحة لم يتمسك به
2- نظـام الاثبــات الحــر أو المطلـق
يقوم هذا النظام على إعطاء القاضي حرية مطلقة في تكوين قناعته من خلال ما يروج أمامه في الجلسة بحيث يبقى باب الإثبات مفتوحا و هذا النظام يقوم على مبدأين
اولا: ان أطراف الخصومة الجنائية يكونون أحرارا في تقديم أي دليل  اثبا ت من شانه إقناع القاضي الجنائي
ثانيا:ان القاضي يملك كامل الحرية في تقدير و تقييم أدلة الإثبات و لا يأخذ الا بالأدلة التي يقتنع بها و تحرك وجدانه و ما يؤخذ على هذا النظام هو انه يعطي سلطة واسعة للقاضي في عملية التقدير الشيء الذي قد يضر بالأفراد و بمركزهم القانوني
3- نظــام الإثبـات المختلط
هذا النظام هو وسط بين نظام الأدلة القانونية ونظام الاثبات المطلق و بالتالي  فهو يوفق بين قناعة القاضي
و قناعة المشرع بمعنى انه يترك للقاضي الحرية  في تقدير الأدلة التي يرسمها له المشرع  سواء من حيث شروطها او كيفية طرحها
و المغرب يأخذ بنظام الإثبات الوجداني ،اذ ان المشرع المغربي  يترك للقاضي الجنائي حرية واسعة في تقدير الأدلة و تمحيصها و التحقق من صحتها و جدواها ،و هذا ما نصت عليه المادة 286 من ق م ج 
و رغم ذلك فان حرية القاضي في التشريع المغربي ليست مطلقة تمام الإطلاق لان المسطرة الجنائية تنص  في  المادة 288 انه اذا كان ثبوت الجريمة يتوقف على دليل تسري عليه احكام القانون المدني او احكام خاصة فان المحكمة تراعي تلك الأحكام مما يقيد من  سلطة القاضي
كما ان  المشرع المغربي  حدد وسائل  خاصة لاثبات جريمتي الفساد و الخيانة الزوجية و يجب على القاضي إعمالها  مما يحد  من سلطته التقديرية 
-       القيــود الــواردة علـى حـريـة الإثبــات
وهكذا فجريمة الفساد مستثناة  من فكرة القناعة الوجدانية اذ ان المشرع تكفل بتحديد وسائل إثباتها ولم يترك للقاضي بشأنها أي مجال لتكوين قناعته
وهذا ما استقر عليه اجتهاد المجلس الأعلى وجاء في اغلب قراراته: " انه لا يكفي في إثبات الجريمة المعاقب عليها في الفصل 491 ق ج  ان تقول المحكمة بانها اقتنعت بثبوت الجريمة بل لابد ان تبني حكمها على احد دلائل الإثبات المنصوص عليها في الفصل 493 من نفس القانون"

                                           *5*

وجاء في قرار اخر للمجلس الأعلى " ان الخيانة الزوجية لا تثبت الا بناء على محضر رسمي يحرر في حالة التلبس او اعتراف تضمنته مكاتب او أوراق صادرة عن المتهم او اعتراف قضائي"
كما ان المادة 286 م ج  صريحة في ان القاضي لا يمكن ان يبني حكمه الا على حجج عرضت عليه أثناء المناقشة شفويا وحضوريا .
لذلك فقناعة القاضي لا يمكن ان يكونها بحرية مطلقة بل يجب عليه ان يكون قناعته مما راج أمامه حضوريا وشفاهيا أثناء المرافعة ومن ثم فلا حق للقاضي ان يكون قناعته مما سمعه عن النازلة من طرف الغير
- كما لاحق للقاضي في ان يكون قناعته من خلال المراسلات الجارية بين المتهم ودفاعه
وذلك بصريح النص القانوني:295 م ج
      *موقف المجلس الأعلى: من حرية الإثبات المخولة للقاضي الزجري:
ظهر اتجاهان للمجلس الأعلى بهذا الخصوص
أولهما: يؤيد  حرية القاضي في ان يعتمد ما يشاء من الأدلة لبناء حكمه ويضع جانبا الأدلة التي يعتبرها غير مجدية ووفقا لهذا الاتجاه فان المجلس الأعلى غير مرخص له مناقشة فحوى الأدلة التي اعتمدها القاضي في تكوين قناعته لان ذلك يدخل في نطاق السلطة التقديرية للقاضي
وهكذا يتضح ان المجلس الأعلى يعمل على إيلاء القناعة الوجدانية المنبثقة عن حرية الإثبات أهمية خاصة
1-  فأدوات الإثبات
2-  وقيمتهـــا
3-  والتفصيل بينها من حيث قوتها التبوثية
تخضع للسلطة التقديرية للقاضي
II) ثانيها: تدخل المجلس الأعلى ورقابته على تقدير الأدلة
لقد صدرت عدة قرارات عن المجلس الأعلى نقضت أحكام الموضوع: القاضية بالبراءة لوجود أدلة إثبات أخرى لم تعتمدها محكمة الموضوع مما يجعلها قرارات تضرب السلطة التقديرية المخولة للقضاة الزجريين
ويرى بعض الفقهاء ان اتجاه المجلس الأعلى الرامي إلى فرض رقابة على ذكر الأدلة اتجاه صائب لأنه يميز بين:
              1-تقدير القيمة الاتباثية للأدلة وهو أمر يختص به قاضي الموضوع ولا يراقبه المجلس الأعلى
         2- وبين توضيح الدليل الإثباتي الذي  اعتمده القاضي في الحكم مع بيان مضمون هذا الدليل الاثباتي                               
وهو أمر خاضع لمراقبة المجلس الأعلى
المرجع ك 397   (29): أهم اجتهادات المجلس الأعلى في موضوع السلطة التقديرية للقاضي.
- يأخذ المشرع المغربي بنظام الإثبات الوجداني
حيث يترك للقاضي الجنائي حرية واسعة في تقدير أدلة الإثبات وتمحيصها والتحقق من صحتها وجدواها. والأخذ بما يكون لديه القناعة الحقة البعيدة عما من شانه زعزعة ثقته في تلك الأدلة.
لكن ولو كان من حق قضاة الموضوع ان يكونوا قناعتهم من جميع الأدلة المعروضة عليهم فيجب ان تؤدي تلك الأدلة منطقا وعقلا الى النتيجة التي انتهوا إليها
وإذا كان من جهة أخرى لقاضي الموضوع سلطة تقديرية فيما يعرض عليه من وثائق وتصريحات فليس له " تجنبا للتحريف" ان يغير معناها لان ذلك ينزل منزلة انعدام التعليل
بعض قـرارات المجلس الأعلـى حـول السلطـة التقـديـريـة :
اهانة موظف : ".... حيث ان بقية ما أثير انما يتعلق بمناقشة اقتناع المحكمة واستخلاصها عناصر الإدانة من وثائق الملف وهو جدل موضوعي لا يمكن إعادة البحث فيه أمام هذا المجلس " قرار عدد 613/4 الصادر بتاريخ 29/3/1995
والقاعدة المستخلصة من هذا القراران المحكمة تستنتج مكونات الجريمة من الأمور الواقعية التي يستقل قضاة الموضوع بتقديرها"
خيـانـــة الأمـانـة إثبـاتهـا
" ان  تكوين اقتناع المحكمة من اعتراف  المتهم يغنيها عن الاستماع لشهادة الشهود"
قرار المجلس الأعلى عدد 1116/08 الصادر في 1 يوليوز 1995                                       
ظـــروف التخفيــف :
" منح ظروف التخفيف في اطار الفصل 146 من القانون الجنائي هو امر يرجع للسلطة التقديرية لقضاة الموضوع و لا يخضع لرقابة المجلس الأعلى"
قرار المجلس الأعلى عدد 1355/2 الصادر بتاريخ 28 يوليوز 1996
                                               *6*

قناعـــة المحكمـــة
" ان المحكمة غير ملزمة باستدعاء الشهود المطلوبين في المذكرة الدفاعية ما دامت كونت قناعتها من تصريحات الشهود الذين استمعت اليهم "
م 47 مجلة الاشعاع " هيئة المحامين بالقنيطرة "العدد 26 سنة 2002 ص 75
 و هكــــــذا:
فالعدالة هي الوجه الحقيقي للحضارة الانسانية لأنها تركز  قواعد العدل والإنصاف و تثبت دعائم الأمن و الاطمئنان
و كما قال احد الحكماء " اذا  اخفقت العدالة  الجنائية في ضمان الأمن و النظام فان الحرب الأهلية على  الابواب " فكلما ضعفت العدالة انتشر البغي و الاستبداد.
و ان المحاكم الزجرية هي التي تطبق السياسة الجنائية المتمثلة  في النصوص الجنائية الشكلية و الموضوعية و السلطة التقديرية  للسادة  القضاة هي محور سير العدالة الجنائية  لان المشرع اعطى للقضاة الزجريين سلطة تقديرية واسعة في تقدير و سائل الاثبات و تقدير الأفعال المحرمة و تقدير الخطورة الاجرامية  للجاني و تقدير العقوبة المستحقـــة
و بخصوص و سائل الإثبات فمنها ما هو قاطع بخصوص  إثبات الجريمة و منها ما هو غير قاطع
م 5 المرجع  : مجلة  القصر 9 شتنبر  2004 " م 5 " ص 138
ان مشروعية الدليل تكتسب أهمية  بالغة في بناء أسس المحاكمة العادلة :فمشروعية الدليل و عدم مشروعيته تشكل فيصلا بين المحاكمة العادلة  و المحاكمة غير العادلة.
يجب ان تكون طريقة الوصول الى الدليل مشروعة و مطابقة للقانون و ليس  فيها مساس بحريات و حقوق الأفراد.
ك 418 المرجع : شرح قانون المسطرة الجنائية  ج II وزارة العدل ك ...ص 40
المرجع ك 66/32 و سائل الإثبات في التشريع المدني المغربي ذ/ العبدلاوي
1- مبدأ  حياد القاضي : لقد اخذ المشرع  المغربي  في تنظيم  الإثبات في المواد المدنية  بالمذهب  المختلط الذي يجمع بين تقييد الإثبات و اطلاقه
و المبدأ في القضاء المدني هو تقييد الإثبات ، لكن  رغم ذلك  خفف المشرع  المغربي من هذا التقييد و ترك للقاضي  في بعض الحالات الحرية في تقدير الأدلة  و هناك مذهبان يتقاسمان مسألة  الإثبات
   2- المذهب الحر او المطلق : ففي هذه الحالة يكون للقاضي  دور ايجابي  في توجيه الخصوم و استكمال ما نقص من الادلة و استيضاح ما هو  مهم منها
  3- مذهب الاثبات المختلط:
هذا المذهب  يجمع مبادئ المذهبين السابقين  فلا يأخذ بالحرية المطلقة و لا يأخذ بالتقيد الكامل : و انما تجعل لكل منهما مجالا في قواعد الإثبات
فمن جهة تفرض  هذه القواعد على القاضي ان يقف موقف  الحياد و لكن من جهة  أخرى تجعل للقاضي في بعض الأحوال ان يسمع الى جمع الأدلة ليصل الى ما يريد معرفته  من وقائع فيستجوب الخصوم او يستعين بأهل الخبرة او يستدل بشهادة الشهود من تلقاء نفسه
كما ان للقاضي الحق في تقدير قيمة الأدلة و له الحق  في ان يستنتج ثبوت واقعة  غري ثابتة من واقعة اخرى ثابتة  " ( القرائن  القضائية )
و بذلك يكون  هذا المذهب قد تجنب ما يخشى من تحكم القاضي في مذهب الإثبات الحر كما يتحاشى جمود القواعد في مذهب الإثبات القانوني  او المقيد و هذا هو المذهب  الذي تبناه المشرع المغربي سواء  في الميدان  المدني او الميدان الجنائي و ما يؤخذ عليه
هو ان اقتراب الحقيقة الواقعية من الحقيقة القضائية لا يصل إلى  درجة القطع  بل لا تزال للأدلة فيه حجة ظنية و لا
تزال الحقيقة القضائية هي مجرد احتمال راجح و ليست حقيقة قاطعة
يستخلص  مما سبق ان الحقيقة القضائية هي ما يثبته القاضي في حكمه نتيجة لتحريه حقيقة الواقع و يكون حظها في مطابقة الواقع بقدر ما يكون للقضائي من سلطة في البحث  و التحري                           
لكن القاضي مجرد بشر ووسائله محدودة ان علم شيئا غابت عنه أشياء فمن المحتمل ان يخطئ التقدير : فيقضي بما يخالف الواقع
اما مذهب الإثبات المقيد فيزداد فيه بعد الحقيقة القضائية  عن الحقيقة الواقعية
فإذا  كان محل النزاع مثلا  عقدا معينا مما يتطلب القانون ان يكون إثباته بالكتابة
و عجز المدعي عن تقديم الدليل الكتابي حكم القاضي بعدم ثبوت هذا التعاقد حتى و لو كان هو يعلم بحصوله او كان يستطيع ان يعلم ذلك


                                         *7*
أما المذهب المختلط فيرخص للخضم العاجز  في مثل هذه الحالة  عن  تقديم الدليل القانوني  في ان يوجه الى خصمه اليمين الحاسمة آملا في استخلاص دليله من نكول خصمه او في استجواب خصمه لعله يستدرجه بذلك الى الاقرار
على انه مهما بلغت و سائل تقريب الحقيقة القضائية من الحقيقة الواقعية فان القضاء على احتمال تباينهما امرا مستحيلا
لذلك فالحقيقة القضائية هي حقيقة نسبية  لا مطلقة  أي انها حقيقة بالنسبة  لطرفي المنازعة دون غيرهما ( نسبة الاحكام )
       المرجع  420 العقوبة ( محي الدين امزازي)
       ص 199:العقوبة  ضرورية لإجبار الناس على طاعة القانون
       فالقانون ان كان يعتبر تنظيما سليما للعلاقات المجتمعية فهو أيضا يعيد هذه العلاقات الى إطارها كلمــا اختلت
       و لو بالقوة
       و في  الختام لا بد ان نتساءل عن ماهية تجريم الافعال ??
 و كيف يتحدد تجريم فعل من الأفعال و على أي  أساس ؟
لا تقدم مدونة القانون الجنائي جوابا شافيا على هذا السؤال
فالجريمة في مفهوم القانون الجنائي هي "  فعل او امتناع  يعاقب عليه القانون " تعددت الأجوبة الفقهية على السؤال اعلاه  و لكنها اتفقت  على فكرتين
                           1- الضــرورة    2- العـــــدل
أولا: الضرورة : يقوم النموذج الليبرالي للسياسة الجنائية على مبدأ " الإباحة هي الأصل " بمعنى ان كل الأفعال
و التصرفات مباحة الا ما منعه القانون
فمجال التجريم اذا يتولد إذن عن طريق الاستثناء بالنسبة لمجال التصرفات الحرة و يعتمد ذلك على معيار الضرورة فالقتل جريمة  قررت لحماية الحق  في الحياة و السرقة لحماية حق الملكية
و يرتبط مضمون الضرورة بالزمان: لان ضرورة الأمس ليست هي ضرورة اليوم حيث كانت
فهناك أفعال تنتفي مع أسلافنا على تحريمها في الماضي لكن مع اختلاف الظروف فلا ضرورة لتحريمها حاليا
لكن رغم ذلك لا يمكن اعتبار فكرة الضرورة و حدها معيارا للتجريم بل لا بد من وجود مقياس مقبول و هكذا تم اعتماد " المساس بحريات و حقوق الغير " كمعيار للتجريم                           
II – العــــــدل:
فكرة  " العدل " فرضت نفسها كمعيار للتجريم بعدما ظهرت السلبيات معيار  " الضرورة  "
و من تم فعلى المشرع الا يحرم سوى الأفعال التي تقوى معاقبتها الإحساس  الجماعي بالعدل و علينا ان نرفض كل تجريم يتعارض  مع الحاجة الاجتماعية للعدل كما يشعر بها أغلبية  المواطنين المعاصرين.



0 التعليقات:

إرسال تعليق